ألوية الناصر صلاح الدين

 أولي العزم :
إن الدين لايقوم إلا على أولي العزمات من الرجال، ولا يقوم أبداً على أكتاف المترخصين والمترفين، وحاشاه أن يقوم على أكتافهم.

فالدين العظيم لا يقوم إلا على أكتاف العظماء من الرجال، والمسئولية الجسيمة التي ناءت بحملها السموات والأرض، لا يمكن ان يقوم بها إلا أهلها ورجالها.
كيف يقوم الإسلام ويعود إلى سالف مجده وعزه دون عزمة كعزمة أبي بكر الصديق يوم الردة، إذ أقسم ذلك الشيخ الكبير، الرقيق البكّـاء في عزمة من أعظم عزماته قائلاً: (والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لومنعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام لقاتلتهم على منعه)

كيف يقوم الإسلام دون عزمة كعزمة أنس بن النضر الذي قال: (لئن أشهدني الله قتال المشركين ليرين الله ما أصنع)، فشهد أحداً فقاتل حتى وجد بجسده وهو ميت بضع وثمانون طعنة وضربة.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه: "اللهم إني اسالك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد".

إن الهمة العالية لتغلي في القلوب غليان الماء في القدر،وإنها لتستحث صاحبها على عظائم الأمور صباح مساء حتى يكون كما يقول الشافعي -رحمه الله-: (الراحة للرجال غفلة).

وهذا الصحابي عبدالله بن جحش ينتحي جانباً مع سعد بن أبي وقاص قبل غزوة أحد، واتفقا على أن يدعو كل واحد منهما دعاءً ويؤمن الآخر فكان دعاء عبدالله بن جحش:

(اللهم ارزقني رجلاً شديداً حرده، شديداً باسه أقاتله فيك ويقاتلني، ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك غداً قلت يا عبد الله فيم جُـدع أنفك وأذنك؟ فأقول: فيك وفي رسولك، فتقول: صدقت).

ما أعظم هذا الدعاء، وما أروعه..

إنها نفوس باعت كل شيء لربها، وتحول المر عندها حلواً...إنه لا يصدر إلا من رجل استعذب الطريق وذاق حلاوته، فلا يهمه شيء سوى مرضات ربه، ولا يهمه سوى أن يلاقي الله وهو طائع له مقتول في سبيله.

من لنا بمثل هذه العزمات، من لنا بمثل أحمد بن حنبل، وابن تيمية، والعز بن عبد السلام؛ يحملون راية الجهاد في سبيل الله، والجلاد ضد اعداء الله، وقد ترك العلماء الميدان، وانسحبوا من قيادة الركب، وشق عليهم أن يبذلوا المهج من أجل الله، ولم يكفهم حتى صاحوا بالمجاهدين، ورموهم بكل نقيصة، فلا تسمع صوتهم إلا في مناوءة المجاهدين.. كل ذلك تحت ذريعة: السياسة والكياسة.

ولا أدري متى سيترك هؤلاء ((فقه الهزيمة، ومفاهيم الخور والجبن)).