ألوية الناصر صلاح الدين

 مما لاشك فيه أن أمتع حياة هي حياة المجاهدين ، ولا يعرف ذلك إلا من جرب الجهاد والرباط . وكلما كانت الحياة الجهادية محكومة بالطاعة والانضباط ، كانت أمتع .

إن مجتمع المجاهدين لا بد أن تحكمه علاقة قائمة على الثقة بين القيادة والجنود مما يترتب أجواء من الطاعة والانضباط .

وطاعة القيادة واجب شرعي ، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه ( من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أطاع الأمير فقد أطاعني ومن عصى الأمير فقد عصاني ) . وفي الحديث أيضاً : ( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية ) 

لكن وجدنا إن الحمية والغيرة على دين الله التي تشتعل في نفوس بعض المجاهدين . وما يحركهم من الشوق للقاء الله والفوز بالجنة والحور العين يدفعهم أحياناً  للخروج والنفير، لموجهة المحتل وخاصة عند الاجتياحات ، دون إذن من القيادة . وما أجمل هذا الشعور , لكن الأجمل منه التزام أمر القيادة ففيه الخير والرشاد , ومخالفة الأمر فيه الشر والفساد .

يقول العلامة محمد أحمد الراشد حفظه الله تعالى : ( إن مبادرتك إلى التضحية بروحك بلا استئذان الأمير مهدورة القيمة عند الفقهاء , مجردة من الفضائل ) , ولقد سئل الفقيه التابعي الجليل نافع المدني – رحمه الله تعالى – عن تضحية لا يحركها أمر قائد ولا توجبها خطة ,. فقيل له : " هل يحملُ الرجلُ إذا كان في الكتيبة بغير إذن إمامه ؟ فقال : لا يحمل على الكتيبة إلا بإذن إمامه " .

وهذا جواب صريح : أن المسلم المنتمي إلى كتيبة إسلامية لا يهجم على كتيبة العدو إلا بإذن قائدها ) .

إضافة إلى أن يقوم ما يقوم به العديد من الشباب من الارتجال والخروج لصد الإجتياحات عن البلاد ومن دون إذن القيادة قد يوقعهم بالإثم وذلك من عدة أوجه كما يلي :

أولاً : إن الدافع الأساسي لخروج المجاهد هو تحصيل الأجر والمثوبة من الله تعالى , فإذا كانت هذه الغاية والنية , فلك  فيمكن تحصيل هذا  الأجر والمثوبة عند الله والمجاهد  جالس في بيته ويكون ذلك بالنية الصادقة , والاستعداد للخروج في اللحظة التي يطلب  فيها من المجاهد  الخروج , والدليل على هذا , الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه : أن رسول اله صلى اله عليه وسلم رجع من غزوة تبوك فدنى من المدينة فقال : " إن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً  ولا قطعتم  وادياً إلا كانوا معكم " , قالوا : يا رسول اله , وهم بالمدينة ؟ قال : " وهم بالمدينة حبسهم العذر " .

وعذرك أخي الحبيب عند الله هو الإذن بل أنت أخي الحبيب ضامن لتحصيل الأجر أكثر من المجاهد نفسه الذي يكون في أرض المعركة ,. لذلك لأن المجاهد في أرض المعركة ربما يكون مرائياً فعمله مردود وغير مقبول , أما وأنت جالس في بيتك فمبا ترائي ؟ أما الخروج بصورة  ارتجالية فهي مظنة المراءاة وتلبية داعي الشهوة التي تحبط العمل .

أخي المجاهد  الحبيب : أسأل نفسك واصدق معها , لماذا سأخرج ؟ ستجد أن هناك نية فاسدة في هذا الخروج , كأن يقال عنك : أنك شاركت في صد اجتياح كذا واجتياح كذا ويكتب في سجلك الجهادي , أو في نفسك شهوة تحب القتال , فإن العمل إن لم تضبطه النية إنقلب شهوة نفس , وشتان ما بين عمل دافعه الشهوة , وعمل دافعه مرضات اله تعالى .

فأحذر أخي الحبيب من هذه الآفة : إن قُتلتَ عليها لا قدر الله خشيت أن تكون من أول ما تسعر بهم النار يوم القيامة , والحديث سيأتي بطوله في موضوع الإخلاص  والله المستعان .

ثانياً : بخروجك من دون إذن الأمير تكون ممن ألقى بنفسه إلى التهلكة . وقد قال تعالى " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " , ويكون كذلك لأنك خرجت إلى مكان الاجتياح وأن لا تعلم الأماكن التي يكمن بها أعداء الله ويتربصون لمجاهدين , وخرجت إلى منطقة لا تلم بتضاريسها وهيكلتها لتعرف أين تكمن لعدوك , وأين تختبأ , ومن أين تنسحب , وبذلك تكون ممن ألقى بنفسه إلى التهلكة وعرضت نفسك لقتل من غير أن تقدم شيئاً .

وكذلك أنت لا تعرف مخطط إخوانك في المنطقة المستهدفة , فقد تفسد عملهم وخطتهم بهذا الخروج الأحمق , وقد يظنوك عملياً مندساً لعدم معرفتهم بك .

ثالثاً : خروجك من غير إذن معصية لله رب العالمين , ومعصية لرسول الله صلى اله عليه وسلم , وذلك لأن في عنقك بيعة على السمع والطاعة في المنشط والمكره , والطاعة لأميرك واجبة في غير معصية , كما تقدم  في الحديث عن أبي هريرة رضي اله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله , ومن أطاع الأمير فقد أطاعني , ومن عصا الأمير فقد عصاني . "

رابعاً : عند خروجك لاجتياح من غير إذن . ستستخدم بالطبع سلاحاً . خفيفاً كان أم ثقيلاً وهل هذا السلاح ملك لك أم للجهاز الذي تعمل فيه ؟ . فبذلك تكون قد استخدمت أسلحة ليست ملكك بدون أصحابها وهذا لا يجوز لك .

خامسا ً : خروجك لاجتياح بغير إذن يعتبر خيانة لأمانة : لأنك تركت الثغر الذي استأمنك إخوانك عليه وهم يحسبونك في مكانك , فربما احتاجوا لك ولم يجدوك , فبذلك تكون سبباً في أن يؤتى المسلمون من قبلك . ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .