ألوية الناصر صلاح الدين

لجأ جهاز الأمن الداخلي الصهيوني "الشاباك" إلى تجنيد عناصر متحمسة لتنفيذ عمليات ضد الاحتلال، عبر ضباط أو جواسيس انتحلوا صفة نشطاء في حركات ومنظمات المقاومة، وكان "الشاباك" حينها يهدف إلى التوصل للشبان الذين لديهم قابلية لتنفيذ عمليات فدائية، لاصطيادهم قبل وصول أذرع المقاومة إليهم.

فقد كان "الشاباك" يبدأ تشكيل الخلايا الوهمية من المساجد، إذ يضع الجواسيس والضباط رسائل في أحذية الشبان المستهدفين، أو يتعرفون بهم مباشرة في المسجد الأقصى. ولنيل ثقة الضحايا، كان الحديث يبدأ بالضربات التي أصابت التنظيم، وضرورة مواصلة العمل الإغاثي.

في إحدى الحالات، انتحل ضابط في "الشاباك" صفة "الشيخ أبو خليل"، الذي زوّد شابًا بأموال لنقلها إلى عائلات معتقلين وفقراء، وقد استمر الأمر على هذا المنوال عدة سنوات. كان الضحية شخصًا معروفًا في قريته بالتزامه، ثم بعد فترة طلب منه "أبو خليل" العمل من أجل رصد تحركات مقاوم بحجة أنه قد يكون جاسوسًا قدم معلومات للاحتلال الصهيوني أدت لمقتل مطارد، وبالفعل شكّل خلية رصدت تحركات المقاوم ثم أبلغت "أبو خليل"، وأدى ذلك لاعتقاله وبحوزته سلاح.

وفي قضية أخرى خلال الفترة ذاتها، جند "أبو خليل" ناشطًا طلابيًا في إحدى الكتل الطلابية، وكان يزوده بمساعدات مالية لتوزيعها على الطلبة الفقراء، قبل أن يتم اعتقال هذا الطالب بسبب نشاطاته الطلابية، لكنه لم يعترف خلال التحقيق لدى "الشاباك" عن ارتباطه تنظيميًا بـ"أبو خليل"، كما لم يسأله "الشاباك" عنه ليعزز ثقته به ويذخره لمهام لاحقة.

انتهت محكومية الناشط الطلابي، وعاد إلى جامعته مع اندلاع انتفاضة الأقصى، وقد كانت ثقته بـ"أبو خليل" حينها تناطح عنان السماء. كان اللقاء الأول بين "أبو خليل" والطالب بعد الإفراج عنه؛ في المسجد الأقصى، أخبر "أبو خليل" ضحيته أنه آن آوان بناء خلايا عسكرية في جامعته، وبالفعل جند الطالب عدة خلايا عسكرية، كان مصيرها كلها السجن دون تنفيذ أي عمل يضر الاحتلال الصهيوني.

خلال ذلك، كان "أبو خليل" قد كلّف الطالب أيضًا بإجراء بحث أمني حول بعض الطلبة لفحص قبولهم الالتحاق بالعمل العسكري، والبحث عن تجار سلاح موثوقين، وأشخاص لديهم الرغبة في إخفاء المطاردين.

خلال انتفاضة الأقصى، كشفت المقاومة بعض الخلايا الوهمية، وكان الكشف عنها يحدث عندما يحاول شخص مغرَّر به تجنيد شخص ينتمي إلى التنظيم الذي ينتحل ضباط "الشاباك" شخصية عناصره. لكن في المرحلة الحالية لم يعد هذا الاحتمال تقريبًا قائمًا لغياب التنظيمات، وأيضًا لسهولة تنفيذ عمليات الخداع عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

عصر وسائل التواصل الاجتماعي، أتاح لـ"الشاباك" فرصًا ذهبية بخصوص الخلايا الوهمية، فمن خلال تلك المواقع أصبح بالإمكان تحديد أشخاص لديهم الدافعية لتنفيذ عمليات، بل وتحديد التنظيم الذي يؤيدونه، تمهيدًا لبناء قصة الخداع الملائمة، ثم التواصل معه ونيل ثقته لتجنيده من حيث لا يعلم.

وكان "الشاباك" قد أعلن أنه أحبط العام الماضي 400 عملية، من بينها 13 عملية وصفها بأنها "تفجيرية". يظهر التدقيق في لوائح الاتهام للمعتقلين على هذه الخلفية؛ أن هناك دورًا محوريًا في تلك الهجمات غير المكتملة، لشخص لم يتم اعتقاله، وهو رأس الخلية، الذي يكون من قطاع غزة، أو لبنان، أو سوريا، أو العراق، منتحلاً صفة قيادي في أحد تنظيمات المقاومة، أو في تنظيم "داعش".

يستغل المسؤولون عن تشكيل هذه الخلايا حالة الفراغ التنظيمي، وغياب الوعي الأمني لدى الشبان المستهدفين، ورغبتهم باستهداف جنود الاحتلال الصهيوني وحاجتهم إلى التدريب أو التمويل. وفي العادة يبحث "قائد الخلية" مع ضحاياه تنفيذ هجمات ضد أهداف كبرى، مثل تنفيذ عمليات اغتيال أو تفجير قطار أو مبنى، حتى يختار "الشاباك" عنوانًا جذابًا لبيانه عن إحباط هجوم رهيب، سيتصدر نشرات الأخبار والصحف.

ويسعى "الشاباك" من تضخيم إنجازاته إلى تحقيق هدفين أساسيين، أولهما تكريس صورةٍ بأنه جهاز يقظ يملك قدرات خارقة توصله إلى الخلايا أو الأفراد قبل أن ينفذوا الهجمات، وهذا الجهد جزء أصيل من عمل أي جهاز مخابرات، ويسمى العمل الوقائي الذي يستهدف الاشخاص والخلايا التي تملك دافعية لتنفيذ هجمات لثنيها عن العمل في أفضل الحالات أو لإرباكها.

أما الهدف الثاني، فهو تعزيز ثقة الجمهور الصهيوني بوجود جهاز مخابرات متأهب دائمًا، يشخص المخاطر بشكل مبكر ويحبط الهجمات. ويلاحظ المتابع أنه عندما تنجح عمليات المقاومة الفلسطينية، وتحديدًا العمليات الفردية، فإن "الشاباك" يعلن عن إحباط عمليات لو تم تنفيذها لكانت ستؤدي إلى عدد أكبر من القتلى، وذلك بهدف التخفيف من إحساس انعدام الأمن الشخصي لدى المستوطنين والصهاينة؛ الذي يسببه نجاح عمليات المقاومة.

وخلاصة الأمر، فإن "الشاباك" سيواصل اعتماد سياسية المبالغة لأنه لا يدفع ثمنها، فهو يعتقد أنه يحقق الكثير من الغايات على الصعيدين الفلسطيني والصهيوني، من خلال المبالغة في استعراض قدراته على إحباط العمليات، وقد أدى ذلك أيضًا إلى سعي الكثير من الدول الأوربية في التعاقد مع ضباط "الشاباك" بصفتهم "خبراء في إحباط الهجمات في مراحل مبكرة".