ألوية الناصر صلاح الدين

مرة أخرى تبدو دولة الاحتلال الصهيوني في موضع تضارب مع نفسها وهي تتعامل مع الشأن الفلسطيني، خصوصا في الضفة الغربية وقطاع غزة.

 وهي من جهة تريد هدنة طويلة الأجل مع المقاومة الفلسطينية في غزة وتشجع على استمرار الانقسام الداخلي الفلسطيني، ولكنها لا ترغب في دفع أية أثمان.

وترفض التقدم نحو السلطة الفلسطينية في رام الله في مسألة التسوية السياسية لكنها تتطلع إلى منع انهيارها خشية نشوء واقع جديد يصعب عليها التعامل معه.

وهكذا رغم الأنباء الكثيرة التي راجت في الأشهر الأخيرة عن اتصالات بين دولة الاحتلال و قادة المقاومة في غزة بشأن هدنة طويلة الأجل، ولكن يبدو أن المصلحة الصهيونية عادت وفجرت هذه الفقاعة.

وشهدت الغارات الصهيونية الأخيرة على قطاع غزة بعد اتهام المقاومة في غزة بإطلاق عيارات نارية على مستوطنة "نتيف هعسرا" على رغبة في تكريس معادلة جديدة.

ومن جهته أعلن قادة عسكريون أنه مقابل كل طلقة تطلق من غزة سيطلق سلاح الجو الصهيوني صاروخا على منشأة لـ للمقاومة .

ومن الواضح أن هذا الإعلان يتنافى مع الحذر الذي كانت تبديه دولة الاحتلال في تعاملها مع قادة المقاومة والقائم على تجنب الوقوع في منزلق التدهور نحو تصعيد شامل.

وبحسب الكثير من التحليلات، فإن العدو يشعر أنه من الوجهة الواقعية تعيش في معضلة أساسها أنه رغم رفضها لشرعية الحكومة في غزة، إلا انها تطلب من قادتها أن تفرض سيطرتها على التنظيمات الأخرى.

ويفترض معلقون أن تدهور الوضع الاقتصادي وانسداد طريق الهدنة مع العدو يضعف قدرة الحكومة في غزة على ضبط الوضع ميدانيا ويعزز احتمالات تدهور الحال نحو مواجهة شاملة.

وقال المعلقون إن الغارات الصهيونية الأخيرة وإعلان "تسعيرة الرد" يقرب العدو الصهيوني من عملية واسعة أخرى ضد القطاع, غير أن المشكلة في نظر الاحتلال أنها لا تريد مثل هذا التدهور في هذا الوقت، خصوصا أن الصدام العسكري لا يضمن للكيان الصهيوني تحقيق نتائج جوهرية.

ولهذا السبب ثمة أوساط في الجيش الصهيوني صارت تطالب بإنشاء آلية للتنسيق الأمني مع قادة المقاومة في غزة عبر طرف ثالث بهدف منع الانزلاق إلى حرب لا يريدها الطرفان, ولا يهم العدو الصهيوني في هذا السياق إن كان الطرف الثالث هو السلطة الفلسطينية في رام الله أو مصر أو أية جهة أخرى.

وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى ما اعتبره البعض "مبادرة بلير"، التي يقف خلفها رئيس الحكومة البريطانية الأسبق طوني بلير.

وبعد الضجة الكبيرة حول هذه المبادرة تبين أنها وساطة من دون تكليف وأن الارهابي رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو، وفق المراسل العسكري لـ "يديعوت أحرنوت" أليكس فيشمان، قال إن "التعاطي معها سيتسبب بأضرار كبيرة للاحتلال ويدفع أبو مازن الى الاستقالة حيث يعتقد الاخير أن المبادرة هي خيانة للموضوع الفلسطيني.

وأوضح نتنياهو أن كل مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع قادة المقاومة في غزة ستعطي الاوروبيين الشرعية للاعتراف بالمنظمة".

ومن جهة اخرى الوضع في الضفة لا يختلف جوهريا، من وجهة نظر الاحتلال، عن الوضع في القطاع إلا من زاوية أنه شكل آخر للمعضلة.

ومؤخرا تزايدت المخاوف في دولة الاحتلال من احتمالات الفوضى في الضفة إذا ما أصر الرئيس الفلسطيني محمود عباس على الاستقالة.

وبحسب "يديعوت" أيضا فإن أجهزة الاستخبارات الصهيونية أجرت مؤخرا نقاشات حول "اليوم التالي"، وخصوصا حول من سيخلفه.

وهناك توقعات بأن تخلف أبو مازن قيادة من ثلاثة أطراف هم صائب عريقات وماجد فراج وسلام فياض.

وتخشى دولة العدو الصهيوني أنه في مثل هذا الوضع لا يستطيع هؤلاء السيطرة على الأرض.

ويعتقد البعض في الكيان الصهيوني أنه إذا استقال أبو مازن فعليا من رئاسة السلطة والمنظمة، فإن هذا سيشكل ضربة لمدى ثقة الصهاينة بتقديراتهم للظروف في الساحة الفلسطينية.

وربما لهذا السبب حذر المعلق الأمني في القناة العاشرة، ألون بن دافيد، من أن تهديدات أبو مازن بالاستقالة لم تعد عابرة.

وقال إن الرجل الذي بلغ الثمانين من عمره يريد أن يسجل لنفسه خطوة في التاريخ ولا أحد يجزم بماهية هذه الخطوة.

وكتب رون بن يشاي في موقع "يديعوت" الإلكتروني أنه خلافا لتهديدات الماضي يبدو أبو مازن هذه المرة أكثر جدية.

وأن الاستخبارات الصهيونية التي ترى كيف أن الأرض تشتعل في الضفة الغربية لم تعد واثقة من نوعية الخطوات التي قد يلجأ إليها الفلسطينيون ومن بينها احتمالات انفجار انتفاضة ثالثة.

وفي هذا السياق يأتي حديث وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، الهاتفي مع الرئيس عباس.

وقالت مصادر فلسطينية إن جانبا من المكالمة كرس للحديث عن خطورة الفراغ السياسي الذي قد يحدث إذا أقدم أبو مازن على الاستقالة من منصبه.