ألوية الناصر صلاح الدين

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَاتَحَاسَدُواوَلَاتَبَاغَضُوا وَلَاتَدَابَرُوا وَكُونُواعِبَادَ اللَّهِ ِخْوَانًا".

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في " فتح الباري بشرح صحيح البخاري": (التناجش) : مِنْ النَّجْش وَهُوَ أَنْ يَزِيد فِي السِّلْعَة وَهُوَ لَا يُرِيد شِرَاءَهَا لِيَقَع غَيْره فِيهَا.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا" رواه الإمام مالك والبخاري ومسلم واللفظ لمسلم.

كم من مشكلة وقعت بين الناس بسبب سوء الظن المبني على خطأ المعلومات المنقولة وعدم التحقق والتبين منها.

فمن صفات المؤمن التحقق والتبين، قال الله عز وجل: "يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا"

لذا على المؤمن أن لا يقبل شيئاً من دون التحقق منه ولا أن يتخذ موقفاً أو يبني رأياً على أخبار منقولة

وإنما على شيء ثابت.

فأن يقول "سمعت" فهذا باطل، ولكن أن يقول "رأيت" فهذا حق، فالمؤمن إنسانٌ كَيِسٌ، فطنٌ، حذر.

أما قوله عليه الصلاة والسلام " لا تحسسوا ولا تجسسوا" فقد قال العلماء أن التحسس يعني تقصي  الأخبار الطيبة، أما التجسس فهو تقصي الأخبار السيئة.

من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه: فلا يسأل التاجر عن ربحه ولا الموظف عن دخله

ولا الأب عن مهر ابنته ولا المطلقة عن سبب طلاقها.

فعلى المرء أن لا يلح في السؤال بدافع الفضول والتسلية وملء الفراغ. قال الله تعالى: "قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون"

أما قوله عليه الصلاة والسلام " ولا تنافسوا " فالمقصود من الحديث الشريف هنا أن لا ينافس المرء أخاه في الدنيا بهدف الاستعلاء عليه فهذا الأمر مذمة ونقيصة، وإنما يكون التنافس في معرفة الله والعمل الصالح.

قال سبحانه وتعالى: " وفي ذلك فليتنافس المتنافسون" والصواب هو التعاون،فالحق عز وجل يقول في كتابه الكريم: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" وقوله " ولا تحاسدوا" أي أن لا يتمنى المرء زوال النعمة عن أخيه وتصبح له فهذه نقيصة كبيرة.

قال تعالى: " ولا تتمنوا ما فضل الله بعضكم على بعض " فالمؤمن يغبط لأنه يرى فضل الله واسعاً يكفي كل خلقه.

فهو يرى أن الدنيا دار ممر وليست مقر، ويوقن بأنها دار ابتلاء لا دار جزاء، ودار تكليف لا دار تشريف.

لذا فهو لا يبالي، فمن يعرف الدنيا لا يفرح لرخاء ولا يحزن لشقاء لأن الله جعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً؛ فهو سيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي.

ولكن غير المؤمن يحسد والحسد أساسه النفاق والغفلة وضعف الإيمان والتعلق في الدنيا، فإذا رأى أن الدنيا هي كل شيء وأن فلان حصلها وهو لم يحصلها يمتلئ قلبه حسداً.

والحسود معه شيطان، فإذا كان المحسود غافلاً عن الله عز وجل (ومن علامات الغفله التباهي والعرض والافتخار) سرى هذا الشيطان من نفس الحاسد إلى نفسه.

قال الله عز وجل: "قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شرغاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد" وقوله صلى الله عليه وسلم: " لا تباغضوا" هو دعوة للمحبة بين المسلمين، فالصحابة عليهم رضوان الله تعالى كانوا أحباباً ويداً واحدةً على من سواهم، وهذا ما يجب أن يكون عليه حال المؤمنين في أي زمان وأي مكان لأن قوتهن تكمن في تواددهم وتحاببهم.

الخلاصة المفيدة

هي أنه إذا ظن الإنسان أنه إذا صلى وصام وزكَى وحجَ صار مؤمناً فهو مخطئ، المؤمن هو الذي لا يتحسس ولا يتجسس ولا يتنافس ولا يتحاسد ولا يتباغض فإذا أراد الإنسان أن يعرف نفسه هل هو مؤمنٌ حقاً أم غير مؤمن فعليه أن يقيس نفسه بهذا الحديث.