ألوية الناصر صلاح الدين

الإعلام الجهادي _ زاد المجاهد

 

إن من حكمة الله سبحانه وتعالى في خلقه أن يبتليهم بالسراء والضراء، وليس ما بقومٍ من سراء علامة رضا وحب من الله لهم، وإن كانت الأخرى- الضراء- فليست علامة بغض، وفي كلا الحالتين من الابتلاء يريد الله لعباده الرشاد وحسن التعبد، فما جعل الخير والشر إلا للتدافع وفق سننه في الوجود، ليهتدي من اهتدى عن بينة ويضل من ضل عن بينة.

وقد قام هذا البحث، الذي أعدّه الدكتور حمدي سلمان معمر، بدراسة آيات الابتلاء في القرآن الكريم دراسة تربوية، مستخدمًا منهج البحث الفلسفي التحليلي، مستفيدًا من هذه الآيات في بناء تصور (متكامل) حول منهج التربية بالابتلاء.

إن مما اقتضته حكمته سبحانه وتعالى، ومضت به سنته، الابتلاء والامتحان، الذي يخلص الله به أهل الصدق والإيمان من أهل النفاق والبهتان، إذ قد دل كتابه على أنه لا بد من الفتنة، لكل من الداعي إلى الإيمان، والعقوبة لذوي السيئات والطغيان، قال الله تعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) ولَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا ولَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت:2- 3].

وقد أورد ابن القيم كلامًا رائعًا في فهم الابتلاء وتفسيره، يقول: «من رحمته سبحانه بعباده ابتلاؤهم بالأوامر والنواهي، رحمة وحمية، لا حاجة منه إليهم بما أمرهم به، فهو الغني الحميد، ولا بخلا منه عليهم بما نهاهم عنه، فهو الجواد الكريم، ومن رحمته أن نغص عليهم الدنيا وكدرها؛ لئلا يسكنوا إليها، ولا يطمئنوا إليها، ويرغبوا في النعيم المقيم في داره وجواره، فساقهم إلى ذلك بسياط الابتلاء والامتحان، فمنعهم ليعطيهم، وابتلاهم ليعافيهم، وأماتهم ليحييهم».

 

الابتلاء في التربية الإسلامية

  1. تعتبر التربية بالابتلاء إحدى مكونات التربية الإسلامية الهامة؛ فقد ورد في القرآن ألفاظ الابتلاء ومشتقاته ثلاثًا وثلاثين مرة.
  2. الابتلاء سنة إلهية دائمة في خلقه، وليس حالة عابرة، وهو للمؤمنين ليزدادوا إيمانًا ونقاء وقدرة، وللكافرين تذكير وفتنة وعقاب.
  3. تعددت مجالات الابتلاء، فمنه ابتلاء للفرد وابتلاء للجماعة.
  4. الابتلاء أنواع: ابتلاء بالسراء، وابتلاء بالضراء، وفي شتى جوانب الحياة؛ الصحية والاجتماعية والمهنية والسياسية والاقتصادية.
  5. تتعدد أهداف الابتلاء للوقاية، والبناء والتوجيه، والتقويم.
  6. تتراوح أساليب التربية بالابتلاء ما بين التربية بالقصة، والموعظة، والتربية بالحدث.
  7. للابتلاء فوائد جمة: روحية، واجتماعية، ووظيفية.

 

أسباب ابتلاء الأمم

  • يصيب الله– جل وعلا– أمة الإسلام بما يصيبها بسبب ذنوبها.
  • يصيب الله– جل وعلا– الأمم غير المسلمة بما يصيبها؛ عقوبة لما هي عليه من مخالفة لأمر الله.
  • تصاب الأمة بأن يبتليها الله بالتفرق فرقًا، بأن تكون أحزابًا وشيعًا؛ لأنها تركت أمر الله– جل وعلا.
  • تصاب الأمة بالابتلاء بسبب بغي بعضهم على بعض، وعدم رجوعهم إلى العلم العظيم الذي أنزله الله –جل وعلا.
  • يصاب قوم بالابتلاء بسبب وجود زيغ في قلوبهم، فيتبعون المتشابه.

 

الحكمة من الابتلاء

  • للوقاية والإعداد

إن القيام بأي عمٍلٍ، مهما كان نوعه، ومهما كان صغيرًا، يحتاج إلى إعداد وتأهيل، فكيف بمن يراد له حمل أمانة الله في الأرض؟! فكان إعداد الله تعالى تربية بالابتلاء لرسله وأنبيائه والصالحين من بعدهم، ممن أوكل إليهم مهمة القيام بأمر دينه، ونشر دعوته.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ سِئل: «أي الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل».

وسأل رجل الشافعي فقال: يا أبا عبد الله، أيما أفضل للرجل أن يمكن أو يبتلي؟ فقال الشافعي: لا يمكن حتى يبتلي؛ فإن الله ابتلي نوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدًا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فلما صبروا؛ مكنهم.

  • للبناء والتوجيه

يقرر المولى عز وجل أن الأمة المسلمة ستبتلى بأنواع من الصعوبات: ﴿ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ والأَنفُسِ والثَّمَرَاتِ وبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة:155].

وقد وجه الله المسلمين إلى كيفية التصرف حين حدوث الابتلاء، إذ أرشدهم إلى الصبر، فقد نصت الآية الكريمة بالبشرى للصابرين؛ (وبشر الصابرين).

  • للمحاسبة والتقويم

من أبرز نماذج الابتلاء للمحاسبة والتقويم، ما حدث من توجيه قرآني عقب غزوة أحد؛ روى ابن هشام: «قال ابن إسحاق: كان يوم أحد يوم بلاء ومصيبة وتمحيص، اختبر الله به المؤمنين، ومحن به المنافقين، ممن كان يظهر الإيمان بلسانه وهو مستخف بالكفر في قلبه، ويومًا أكرم الله فيه من أراد كرامته بالشهادة من أهل ولايته، فكان مما أنزل الله تبارك وتعالى فيه: ﴿ولَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وعْدَهُ إذْ تَحُسُّونَهُم بِإذْنِهِ حَتَّى إذَا فَشِلْتُمْ وتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وعَصَيْتُم مِّنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا ومِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ولَقَدْ عَفَا عَنكُمْ واللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران:152].

 

أنواع الابتلاء

الابتلاء المنصوص عليه في القرآن الكريم أنواع متعددة:

  1. الابتلاء بالتكاليف. 
  2. الابتلاء بالبأساء والضراء.
  3. الابتلاء باليسر والعُسر.
  4. الابتلاء بالعقوبة.

 

فوائد الابتلاء وأهميته

للابتلاء مجموعة فوائد في مستويات عدة:

المستوى الروحي:

  1. تكفير الذنوب.
  2. تقرِيب العبد من ربه.
  3. تذكير الإنسان بما به من نعمة، فإنه لا يدرك عظيم النعمة إلا مَن فقدها.
  4. التقليل من تمسك الإنسان بالدنيا.
  5. تذكير الإنسان بالآخرين من أصحاب الابتلاءات والحاجات المتنوعة.
  6. تخليص الفرد من بعض الصفات السلبية كالغرور والكبر.

المستوى الاجتماعي:

  1. العمل على ترابط الجماعة.
  2. تخليص الجماعة من المنافقين.
  3. تعريف الجماعة بمواطن قوتها وضعفها.
  4. تعريف الأمة بأعدائها من أصدقائها.

المستوى الوظيفي:

  1. زيادة خبرات الفرد.
  2. تقوية شخصية الفرد.
  3. توسيع القدرات القيادية.

التوظيف التربوي لمعاني الابتلاء:

  1. إحياء مفهوم سنة الابتلاء في عقول النشء وقلوبهم.
  2. تدريس موضوع الابتلاء ضمن المقررات الدراسية.
  3. توظيف مفهوم الابتلاء في الإسلام لاستنهاض طاقات الأمة.
  4. تحويل الابتلاءات التي تتعرض لها الأمة إلى طاقة بناءة.
  5. محاربة روح الانهزام والعبثية، ومنع الاتجار بهموم الأمة ونكباتها.
  6. العمل على إعادة الثقة للمسلمين بدينهم، وإمكانية استعادة دورهم الريادي المساهم أو القائد في الحضارة الإنسانية.