ألوية الناصر صلاح الدين

 

الحمد لله الملك العلام، القدوس السلام، ذي الطول والإنعام، والعزة والإكرام، نحمده أن هدانا للإسلام، وبيّن لنا الحلال والحرام، وشرفنا بالصيام والقيام، ونصلي ونسلم على مسك الختام، وخير من صلى وصام، وطاف بالبيت الحرام، وجاهد الكفار في شهر الصيام، وعلى آله وصحبه الأعلام، مصابيح الظلام، خير هذه الأمة على الدوام، وعلى التابعين لهم بإحسان والتزام.

أما بعد:

فإنَّ أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدى هدي محمد بن عبد الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها المسلمون: إننا نعيش في شهر من أفضل الشهور، أيامه من خير الأيام، فيها قراءة للقرآن، وذكر لله الكريم الرحمن، وبذل للصدقات، لياليه من أفضل الليالي، فيها قيام وتضرع إلى الله.

وفي أول ليلة من لياليه ينادي منادٍ يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، وفيه تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، وتصفد الشياطين، وفي الجنة باب يقال له: الريان لا يدخل منه إلا الصائمون، وهو فرصة سانحة للتوبة من العصيان، والعودة إلى الملك الديان، ومضاعفة الحسنات، وتكفير للسيئات، فالحذر الحذر من التعامي والتواني، والبدار البدار بالتوبة قبل فوات الأوان.

يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب              حتى عصى ربه في شهـر شعبان

    لقـد أظلك شهر الصوم بعدهـما          فلا تصيره أيضاً شهــر عصيانِ

     واتلُ القرآن وسـبح فيه مجتهــداً          فإنه شهـــر تسبيح وقــرآن

كم كنت تعرف ممن صـام في سلف         من بين أهـل وجـيران وإخـوان

أفناهُمُ المـوت واستبقـاك بعدهمـو          حياً فما أقرب القاصي مـن الداني

وفي رمضان أنزل القرآن، كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيلٌ من حكيمٍ حميد،  لا تنقضي عجائبه، ولا يبلى من كثرة الترداد، إن تمسكنا به فزنا وسعدنا، وإن فرطنا فيه خبنا وشقينا، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين"1.  وقال -تعالى-: )شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ إلى قوله وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(البقرة(185).

ولكن هناك أمر غفل عنه الناس في رمضان ألا وهو عدم استشعارهم أن رمضان شهر الصبر والمصابرة، والجهاد والمجاهدة، والفتوحات والانتصارات، فنجد الكثير من المسلمين إذا دخل رمضان اتخذوه فرصة للراحة، فتجدهم يقضون ليلهم في السهر الذي قد يكون أحياناً  على ما يغضب الله من النظر إلى فضائيات الشر وتدمير الفضيلة، أو النظر إلى الصور الخليعة، وقراءة المجلات الهابطة، أو اللعب بتلك الألعاب التي فيها القمار وما أشبه ذلك، ويقضون نهارهم في النوم وتضييع الصلوات، وإهدار الأوقات، وربما استدل بعض المغفلين على جواز فعله ذلك بقوله: "نوم الصائم عبادة!!" أيكون -بالله عليكم- تضييع الصلوات عبادة، كيف انقلبت الموازين؟ كيف صار بعض الناس يعتقد أنه يعبد الله بما حرم الله؟! إن هذا لهو العجب العجاب، ونسي أو تناسى هؤلاء أن رمضان شهر الجهاد والمجاهدة، والصبر والمصابرة، والفتوحات والانتصارات، وأن في رمضان كانت كثيرٌ من المعارك الشهيرة بين المسلمين والكفار، ففي رمضان كانت غزوة بدر الكبرى التي فرق الله بها بين الحق والباطل؛ كما قال -عز وجل-: )وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (الأنفال(41).  قال عروة بن الزبير في قول الله:)يَوْمَ الْفُرْقَانِ( يوم فرّق الله بين الحق والباطل، وهو يوم بدر، وهو أول مشهد شهده رسول الله، وكان رأس المشركين عتبة بن ربيعة، فالتقوا يوم الجمعة لتسع عشرة ليلة مضت من شهر رمضان، وأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاث مائة وبضعة عشر رجلاً، والمشركون ما بين الألف والتسع مائة، فهزم الله يومئذ المشركين، وقتل منهم زيادة على سبعين، وأسر منهم2. ففي هذه المعركة كما سمعتم نصر الله المسلمين قليلي العدد والعدة على الكافرين كثيري العدد والعدة، قال الله -تعالى-:)وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ( آل عمران(123).

أيها الصائمون: وفي رمضان من السنة الثامنة من الهجرة كان فتح مكة الذي بشر الله به محمداً وقال -ممتناً عليه-: )إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا * وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا( الفتح (1- 3)،  ففتح الله لرسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم- القلوب بنزول القرآن في رمضان، وفتح له مكة التوحيد بالجهاد في رمضان، وفي هذه الغزوة انتصر الإيمان، وعلا القرآن، وفاز حزب الرحمن، ودحر الطغيان، وكسرت الأوثان، وخاب حزب الشيطان.

وفي رمضان أيضاً كانت معركة عين جالوت التي أعز الله فيها المسلمين بقيادة الملك المظفر قطز، وأخزى التتر الملحدين بقيادة هولاكو المغولي، وكسر شوكتهم، ولم تقم لهم بعدها قائمة. وذلك في يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر رمضان عام (658هـ).3  

وفي رمضان يوم السبت للأول من رمضان من عام (702هـ) كانت موقعة شقحب، واستمرت إلى اليوم الثاني بين التتار والجيوش الإسلامية، وشارك فيها شيخ الإسلام ابن تيمية، وكانت الغلبة فيها للمسلمين. قال ابن كثير -رحمه الله-: وحرّض -أي ابن تيمية- السلطان على القتال وبشّره بالنصر، وجعل يحلف له بالله إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً. وأفتى الناس بالفطر مدة قتالهم، وأفطر هو أيضاً، وكان يدور على الأطلاب 4 والأمراء، فيأكل من شيء معه في يده، ليعلمهم أن إفطارهم ليتقووا على القتال أفضل، فيأكل الناس"5.

إخواني في الله: ونحن نسمع عن جهاد المسلمين في رمضان، وما حققوه من انتصارات عظيمة، وفتوحات باهرة، نرى كثيراً من المسلمين اليوم قد وهنت نفوسهم، وضعفت عزائمهم، وخارت قواهم، وغرس حب الدنيا وكراهية الموت في قلوبهم، فهم يسرحون ويمرحون، ويتابعون المسلسلات والملهيات في شهر الجهاد والانتصارات والفتوحات التي حققها أسلافنا وأجدادنا.

ونرى البعض منهم يقضي نهاره في النوم والكسل، وليله في الإفراط في تناول الطعام والشراب، ومشاهدة الأفلام والمسلسلات، والسهر على المحرمات. ونرى فئة أخرى فهمت أو ظنت أن رمضان فرصة للإكثار من العمل للدنيا، واللهث وراء جمع حطامها الفاني، فنرى الأسواق في رمضان مزدحمة، والباعة أصواتهم بالتهريج مبحوحة، والنساء إلى الأسواق متوجهات، وللرجال مزاحمات، ولأطفالهن مضيعات، ولأزواجهن وخالقهن مسخطات، ومع هذا كله نريد ونتمنى -أيها المسلمون- من الله نصراً، ويتساءل البعض منا لماذا لم ينصرنا الله، ولماذا سلط الله علينا أحقر خلقه من اليهود والنصارى؟ ولماذا صرنا في مؤخرة الركب بعد أن كنّا في المقدمة؟ ولماذا ولماذا؟ أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابة. وللإجابة عنها نقول: إن الله قد وعدنا بالنصر والتمكين، وهو لا يخلف الميعاد، وهو أصدق القائلين، وأحكم الحاكمين، قال -تعالى-: )وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ( الروم (6). وقال: )وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ( الروم(47). وقال: )وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ( الصافات (171 – 173). وقال: )وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(النــور(55). ولكن النصر لن يكون حتى ننصر دين الله، فنمتثل أوامر الله، ونجتنب نواهيه، ونحرم حرامه، ونحل حلاله، ونفرده بالعبادة والطاعة، ونتحاكم إليه في كل شؤون حياتنا، حينها ينصرنا الله، )إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ ( محمد(7). )وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ( الحج(40). )إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ( غافر(51). ولذلك لما قام الصحابة بنصرة هذا الدين، وإعلاء كلمة التوحيد، وقاموا بمقتضياتها وشروطها، وحافظوا على فرائض الله، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، وجاهدوا في سبيل الله، وطبقوا شرع الله في أرضه، وحكموا بين الناس بالعدل.. نصرهم الله على عدوه وعدوهم، ومكنهم في الأرض واستخلفهم فيها، فلم يأتِ هذا النصر بالأماني، وإنما تحقق بالقيام بنصرة الدين.. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين..

الخطبة الثانية:

الحمد الله الذي أبدع الموجودات بجمال الخلقة والتركيب، وجعلها تذكرة ودليلاً على كمال الحكمة والقدرة والشأن العجيب، سبحانه من إله حكيم، وخالق عليم، ورازق كريم، يؤتي ملكه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، والصلاة والسلام على النبي الرحيم، الهادي إلى صراط الله المستقيم، الذي أضاء الله بدعوته ورسالته ظلمات الجهل والشرك العقيم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.. أما بعد:

عباد الله: إن كان النصر قد تأخر لتأخرنا عن ديننا، فإنه لا محالة سيتحقق في واقع الحياة -إن شاء الله- فإنه قريب الوقوع؛ قال -تعالى-: )أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ( البقرة(214). وعن تميم الداري قال سمعت رسول الله يقول: "ليبلغنّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل. عزاً يُعِزُ الله به الإسلام، وذُلاً يُذِلُ الله به الكفر". وكان تميم الداري يقول: قد عرفتُ ذلك في أَهل بيتي لقد أصاب مَنْ أسلم منهم الخير والشرف والعز ولقد أصاب مَنْ كان منهم كافراً الذل والصغار والجزية6.

وعن خباب بن الأرت قال : شكونا إلى رسول الله وهو متوسد بُرْدة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ قال: "كان الرجل فيمن قبلكم يُحْفَرُ لـه في الأرض فيجعل فيه فيجاءُ بالمنشار فيوضع على رأسه فيُشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه، والله ليُتمَّن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون"7.

أيها المسلمون: إنَّ منزلة الجهاد في الإسلام عالية، ولهذا كانت مرتبة الشهداء الثالثة بعد مرتبة النبوة والصديقية، قال الله -تعالى-: )وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا( النساء(69).

بل إن منزلة الجهاد في الإسلام بمنزلة السنام من الجمل، والسنام هو أعلى وأرفع جزء من الجمل؛ فعن معاذ بن جبل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: "رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد"8. والجهاد في سبيل الله لا يعدله شيء؛ فعن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله فقال: دلني على عمل يعدل الجهاد؟ قال: "لا أجده" قال: "هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر وتصوم ولا تفطر"؟ قال: ومن يستطيع ذلك؟!9. وقال -تعالى-: )وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا( النساء (95 - 96) وعن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، -أُراه- فوق عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة"10. ولكن وللأسف الشديد لقد شوهت صورة الجهاد، وحيكت للقضاء عليه مؤامرات عديدة، فوصف من يقومون به بأنهم إرهابيون، ومتشددون، ومتطرفون، وأن الجهاد كان في حقبة من الزمان، وفي عهد التسلط والكهنوت، وأما اليوم فقد أصبح العالم كالقرية الواحدة، وأصبح العدل منشراً!!، فلا داعي للقتال، ويكفينا السلام.. وعلى الدنيا السلام!! هؤلاء المنافقون الذين يتنازلون عن أهم مبادئ دينهم في حين نجد الغرب الكافر يغزوهم في عقر دارهم، دمر المدن والقرى، وقتل الأطفال والنساء، وهتك الأعراض، وانتشرت بسببه الأمراض، ونهبوا خيرات المسلمين، ونجد الرويبضة يستسلمون لهم ويسلمون الأمور، ثم يعودون على مبادئ دينهم بالسلب والثلب، ولا يكون الجهاد عندهم جهاداً إلا إذا وافق مصالحهم السياسية والاقتصادية!.

عباد الله: إن الجهاد باب واسع، فيكون تارة بالسنان، وهو المقصود الأول، ويكون باللسان، وذلك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكلمة حق عند سلطان جائر. ويكون بالمال؛ فعن زيد بن خالد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من جهَّز غازيًا فقد غزا، ومن خَلَف غازيًا في أهله فقد غزا"11. وقال -تعالى-: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(الصف (10 - 11). ولكن مع هذا التشويه لا تزال هناك طائفة من هذه الأمة فيها الخير، تقوم بهذا الواجب الذي ضيع، يجاهدون في سبيل الله، ويدافعون عن المقدسات والحرمات، ويناصرون المستضعفين، فنراهم على أرض فلسطين، ومسرى سيد الأولين والآخرين، وأولى القبلتين، يقاتلون اليهود بالحجارة والإيمان، وفي غيرها من بلاد المسلمين، ولكنهم بحاجة ماسة منّا إلى مد يد العون والمساعدة والمجاهدة بالمال على أقل تقدير، وأن ندعو لهم بالنصر والتمكين. اللهم ولِّ علينا خيارنا، واصرف عنا الأشرار. اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك. اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان. اللهم أعد علينا رمضان أعواماً عديدة، وأزمنة مديدة، وقد تحقق للمسلمين كلما يصبون إليه من النصر والتمكين. والحمد لله رب العالمين..