ألوية الناصر صلاح الدين

تعريفه
هو لزوم المسجد بنية مخصوصة ، لطاعة الله تعالى : وهو مشروع مستحب باتفاق أهل العلم ، قال الإمام أحمد فيما رواه عنه أبو داود : ( لا أعلم عن أحد من العلماء إلا أنه مسنون )
وقال الزهري رحمه الله : ( عجباً للمسلمين ! تركوا الاعتكاف ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم ، ما تركه منذ قدم المدينة حتى قبضه الله عز وجل )

فائدة الاعتكاف وثمرته :
إن في العبادات من الأسرار والحكم الشيء الكثير ، ذلك أن المدار في الأعمال على القلب ، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب ) رواه البخاري ( 52 ) ومسلم ( 1599 ) .

وأكثر ما يفسد القلب الملهيات ، والشواغل التي تصرفه عن الإقبال على الله عز وجل من شهوات المطاعم ، والمشارب ، والمناكح ، وفضول الكلام ، وفضول النوم ، وفضول الصحبة ، وغير ذلك من الصوارف التي تفرق أمر القلب ، وتفسد جمعيته على طاعة الله ، فشرع الله تعالى قربات تحمي القلب من غائلة تلك الصوارف ، كالصيام مثلاً ، الصيام الذي يمنع الإنسان من الطعام والشراب ، والجماع في النهار ، فينعكس ذلك الامتناع عن فضول هذه الملذات على القلب ، فيقوى في سيره إلى الله ، وينعتق من أغلال الشهوات التي تصرف المرء عن الآخرة إلى الدنيا .

وكما أن الصيام درع للقلب يقيه مغبة الصوارف الشهوانية ، من فضول الطعام والشراب والنكاح ، كذلك الاعتكاف ، ينطوي على سر عظيم ، وهو حماية العبد من آثار فضول الصحبة ، فإن الصحبة قد تزيد على حد الاعتدال ، فيصير شأنها شأن التخمة بالمطعومات لدى الإنسان ، كما قال الشاعر :

عدوك من صديقك مستفاد ***** فلا تستكثرن من الصّحاب
فإن الـــداء أكثر ما تـــراه ***** يكون من الطعام أو الشراب

وفي الاعتكاف أيضاً حماية القلب من جرائر فضول الكلام ، لأن المرء غالباً يعتكف وحده ، فيُقبل على الله تعالى بالقيام وقراءة القرآن والذكر والدعاء ونحو ذلك .

وفيه كذلك حماية من كثرة النوم ، فإن العبد إنما اعتكف في المسجد ليتفرغ للتقرب إلى الله ، بأنواع من العبادات ، ولم يلزم المسجد لينام .

ولا ريب أن نجاح العبد في التخلص من فضول الصحبة ، والكلام والنوم يسهم في دفع القلب نحو الإقبال على الله تعالى وحمايته من ضد ذلك .

   

 حكم الاعتكاف :

أجمع أهل العلم على أن الاعتكاف سنة، وهو سنة مؤكدة في العشر الأخير من رمضان، ولا يكون واجباً إلا بالنذر، أو بالشُّروع فيه عند الحنفية، لفعله صلى الله عليه وسلم، ووجه الدلالة على السنية أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بالاعتكاف، وكذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول من رمضان، ثم اعتكف العشر الأوسط في قبة تركية على سُدَّتها حصير، قال: فأخذ الحصير بيده فنحَّاها في ناحية القبة، ثم أطلع رأسه فكلم الناس فدنوا منه فقال: ((إني اعتكفت العشر الأول ألتمس هذه الليلة ثم اعتكفت العشر الأوسط ثم أتيت فقيل لي: إنها في العشر الأواخر، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف)) فاعتكف الناس معه، ففي تعليق الاعتكاف على المحبة دليل على السنية وعدم الفرضية، ودليل الوجوب بالنذر قوله صلى الله عليه وسلم: ((من نذر أن يطيع الله فليطعه))( مسلم (1167)) ،  وعن عمر أنه قال: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن اعتكف ليلة في المسجد الحرام،  فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( أوف بنذرك)).

 مقاصد الاعتكاف
- تحري ليلة القدر .
- الخلوة بالله عز وجل ، والانقطاع عن الناس ما أمكن حتى يتم أنسه بالله عز وجل وذكره .
- إصلاح القلب ، ولم شعثه بإقبال على الله تبارك وتعالى بكليته .
- الانقطاع التام إلى العبادة الصرفة من صلاة ودعاء وذكر وقراءة قرآن .
- حفظ الصيام من كل ما يؤثر عليه من حظوظ النفس والشهوات .
- التقلل من المباح من الأمور الدنيوية ، والزهد في كثير منها مع القدرة على التعامل معها .

 مدة الاعتكاف:

الاعتكاف يجوز ويحصل بأقل مدة كانت، فلو دخل المسجد ساعة ونوى فيها الاعتكاف حصل له أجرُ اعتكاف هذه الساعة، هذا عند الشافعية وقول لأحمد وعند أبي حنيفة في رواية وهو قول محمد، وفي قول لأحمد وفي الرواية الأخرى عند أبي حنيفة وهي رواية الحسن عنه: لا يجوز الاعتكاف بأقلَّ من يوم، وعند مالكٍ اختلفت الرواية "فقيل: ثلاثة أيام، وقيل يوم وليلة، وقال القاسم عنه: أقلُّه عشرة أيام، وعند البغداديِّين من أصحابه: العشرةُ استحبابٌ، وأن أقلَّه يومٌ وليلة!

والسبب في اختلافهم: معارضةُ القياس للأثر، أما القياس فإنه من اعتقد أن من شرطه الصوم قال: لا يجوزُ اعتكاف ليلة، وإذا لم يجز اعتكافه ليلة فلا أقلَّ من يوم وليلة إذ انعقاد صوم النهار إنما يكون بالليل، وأما الأثر المعارض فما أخرجه البخاري من أن عمر رضي الله عنه نذر أن يعتكف ليلة فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفي بنذره ".

ولعل الراجح صحته بأقل من يوم وليلة، ويشهد لذلك حديث نذر عمر المتقدم.

متى يبدأ الدخول في الاعتكاف؟

أما وقت الاعتكاف فإن نذر اعتكاف شهر دخل قبل غروب الشمس عند الجمهور، وعند زفر والليث وقول لأحمد يدخل قبل الفجر، وإن نذر يوما دخل قبل غروب الشمس عند مالك كالشهر عنده، ودخل قبل الفجر عند الليث وزفر كالشهر عندهما، ودخل قبل الفجر وخرج بعد الغروب عند الشافعي.

أما لو أراد أن يعتكف العشر الأواخر في رمضان تطوُّعاً فهناك روايتان عن أحمد:

الأولى: يدخل قبل غروب الشمس من يوم العشرين، بحيث يدرك أول الليل من يوم الواحد والعشرين، وهو مذهب الشافعي

والثانية يدخل بعد صلاة الفجر من اليوم الحادي والعشرين، وهو قول الأوزاعي.

ولو نذر العشر الأواخر في رمضان ففيها الروايتان.

وبعيدا عن خلاف الفقهاء فمن أحب الاعتكاف في العشر الأواخر فإنه يدخل الاعتكاف قبل صلاة المغرب من اليوم العشرين بحيث يشهد الإفطار والصلاة في معتكفه، ولا حرج لو دخل بعدها في أي جزءٍ من الليل أو لو صلى الصبح ثم دخل المعكتف بعد صلاة الصبح بل لو فاته من العشر يوم ويومان لا حرج فالأصل أنه سنة كله، ويخرج من معتكفه بعد صلاة المغرب من آخر يوم من رمضان ولو مكث في معتكفه إلى ما بعد صلاة العيد إن صُلِّيت في المسجد الذي هو فيه أو خرج من المعتكف إلى المصلَّى لكان أفضل.

شروط الاعتكاف
يشترط للاعتكاف شروط هي :
- الإسلام : إذ لا يصح من كافر ، وكذلك المرتد عن دينه .
- التمييز : إذ لا يصح من صبي غير مميز .
- الطهارة من الحدث الأكبر ( من جنابة ، وحيض ، ونفاس ) وإن طرأت مثل هذه الأمور على المعتكف أثناء اعتكافه وجب عليه الخروج من المسجد ، لأنه لا يجوز له المكث على حالته هذه في المسجد .
- أن يكون في مسجد : قال الله تعالى ( ولا تُباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد والأفضل أن يكون الاعتكاف في مسجد تقام فيه الجمعة ، حتى لا يضطر إلى الخروج من مسجده لأجل صلاة الجمعة .
 

أركان الاعتكاف :

1- النية : لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ) البخاري 1/15 .

2- المكث في المسجد : كما في قوله تعالى : ( وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع والسجود ) سورة البقرة /125 وفي هذا تأكيد على أن مكان الاعتكاف هو المسجد ، ودلّ على ذلك أيضاً فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ومن بعده أزواجه وصحابته رضوان الله عليهم ، ففي الحديث عن يونس بن زيد أن نافعاً حدثه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان ، قال نافع : وقد أراني عبد الله رضي الله عنه المكان الذي يعتكف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد أخرجه مسلم 8/308 .